الكلام على حديث: (إن الله فرض فرائض...)
استشهد الشارح فقال: [وفي الصحيح] وكان ينبغي له أن يقول: وفي الحديث الصحيح، فيكون ذلك تصحيحاً منه له، أو يكون واهماً أن الحديث في أحد الصحيحين وليس كذلك، بل هو متكلم فيه.
قال: {إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدوداً فلا تعتدوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء -رحمة بكم غير نسيان- فلا تسألوا عنها} قال الشيخ ناصر رحمه الله: (حسن لغيره، رواه الدارقطني وغيره، ثم تبينت أن الشواهد التي رفعته إلى الحسن ضعيفان جداً لا يصلحان للشهادة كما أوضحته في غاية المرام ) ولهذا ذكره في ضعيف الجامع الصغير، وقد ضعفه من رواية أبي ثعلبة التي أخرجها الدارقطني والحاكم والبيهقي، وهناك روايات أخرى عن أبي الدرداء وسلمان ذكرها الشيخ شعيب هنا، والذي أراه أنه لا غضاضة في أن نقول أنه حسن؛ لأمور منها:
أولاً: أن معناه صحيح بلا شك، والأدلة واضحة على صحة معناه.
ثانياً: أن لفظه مما يوحي أنه من كلام النبوة، وهذه من الأشياء التي تراعى؛ لأن أمثال هذه العبارات {وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان} لا ترد -والله أعلم- إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما أن عليها نور النبوة.
ثالثاً: أن طرق الحديث موجودة عن ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه جمع من المحدثين: الدارقطني والحاكم والبيهقي والترمذي وابن ماجة وغيرهم، فالحديث إن شاء الله حسن أو صحيح، والشيخ ناصر حفظه الله طريقته كما في السلسلة الصحيحة أنه إذا اجتمع للحديث شاهدان أو ثلاثة فإنه يصححه أو يحسنه، وأحياناً لا يفعل ذلك.
والمسألة تقديرية ولهذا قلنا: إن مما يرجح ذلك أن يكون المعنى صحيحاً تشهد له آيات وأحاديث صحيحة، وليس هناك وهن أو ضعف شديد في أحد رجاله، فضلاً عن أن يكون فيهم وضاع، وإنما يمكن لهذه الطرق أن يجبر بعضها بعضاً إن شاء الله تعالى، وعلى أية حال فالحديث هذا قاعدة عظيمة من قواعد فهم الكتاب والسنة والعمل بهما، فقوله: {إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها} هذا في باب المأمورات، {وحد حدوداً فلا تعتدوها} أي: ما وضعه الله من حدود فلا نتجاوز الحلال منها إلى الحرام، ولا نتجاوز إلى المكروه لمن أراد الورع.
{وحرم أشياء فلا تنتهكوها} هذا في باب المنهيات والمحرمات، فلا يجوز لأحد أن ينتهك ما حرم الله، {وسكت عن أشياء} هناك أشياء سكت عنها رحمة منه بنا من غير نسيان لها ((وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا))[مريم:64] {فلا تسألوا عنها} وليس معنى هذا أننا لا نعرف أمور ديننا، ولكن المعنى أن لا ندقق ونوغل ونتعمق فيها بإطلاق؛ أو أن هذا خاص بزمن الوحي، وهذا النهي يبينه ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم حين سأله الرجل عن الحج: أفي كل عام؟ قال {لو قلت: نعم لوجبت...}، ومن هنا فسر قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ))[المائدة:101] على أحد فهمي العلماء: أنه في زمن الوحي، ولا مانع من الأخذ بالقولين، فقد يكون في زمن الوحي لوجود هذا الاحتمال، وهو أن تفرض علينا أشياء فيكون السبب والتبعة على من سأل؛ لأنه قد جر على الأمة كلها واجباً، والله إنما أراد لنا التخفيف، ولم ينقب الصحابة ولم يكثروا من السؤال كما فعلت الأمم من قبلنا -التي أكثرت من سؤال أنبيائها- وإلا لما كان ذلك التخفيف الملموس من ديننا، كما قال الشعبي : [[لو أن القرآن نزل على هؤلاء -يعني: في عصره عصر التابعين- لكان عامته (يسألونك)]] أي: لكنه نزل على قوم عقلاء، فقد كانت أسئلتهم قليلة؛ فكانت (يسألونك) في القرآن قليلة.